إذا قال نهق وإذا فهم نفق!!

Admin عدد الرسائل : 862 نقاط : 6436

إذا قال نهق وإذا فهم نفق!!
بقلم : محمد أبو كريشة
Mabokraisha@yahoo.com
Mabokraish@hotmail.com

يقولون إن الأحمق الجاهل هو ذلك الذي لا يدري أي طرفيه أطول.. وطرفاه لسانه وبضعه.. أي طرفه الأعلي وطرفه الأسفل.. ويقولون: إذا أردت أن تنهي الأحمق فأمره وإذا أردت أن تأمره فانهه.. لأن الأحمق يقدم علي ما لا تريد ويحجم عما تريد.. فإذا أردته أن يفعل فقل له: لا تفعل.. وإذا أردت ألا يفعل فقل له: افعل وإذا اغضبك شر الأحمق فأنت أحمق.. وإذا أرضاك خيره فأنت أحمق.. والحمق الكساد والبوار واللاجدوي.. يقال: حمقت السوق أي كسدت وبارت.. فلا يرتجي خيرها ولا يخشي شرها.. ولا خير في كلام الأحمق ولا في صمته.. فهو يتكلم في موضع الصمت ويصمت في موضع الكلام.. يريد أن يحسن فيسيء ويريد أن يسيء فيحسن.. وهو أخطر من المجنون لأنك لا تدري أهو مجنون حتي ترفع عنه القلم.. أم هو عاقل حتي تؤاخذه بما فعل.. وهو أسوأ من الطفل لأنه بالغ مسئول عن أفعاله ويتبوأ في أمة العرب مقاعد القمة في كل مجال.. وهو أضل من الأنعام سبيلا لأنه مكلف ورشيد في نظر القانون.. لكنه لا يعبأ بقانون وتأخذه العزة بالإثم إذا قيل له: اتق الله. وإذا نصحته نطحته.. وإذا نصحك نطحك.. يضحك في وقت البكاء ويبكي في مقام الضحك.. وإذا ضحك نهق.. وإذا بكي نعق.
والحماقة أعيت من يداويها.. ولا شيء في الرذائل يدانيها.. وهي الآن وباء عربي منتشر كالنار في الهشيم.. حيث يقود الرأي والقرار في زريبة العرب كل غشيم.. ولا يري العربي خارج ذاته شيئاً ولا أحداً.. وكلما ضاق السجن أظلم.. وكلما انحبس المرء في ذاته ومشي علي رأسه كان في قاع الحماقة.. والحمقي هم النجوم الزاهرة والفئة الداعرة في أمة العرب.. فهم الساسة والمثقفون والاقتصاديون والفنانون والصحفيون والقضاة وهم أيضا السباكون والمكوجية والمدرسون والتلاميذ والأطباء.. وطريقة بلوغ القمة في أمة العرب والفوز بالنجومية هي أن تمشي مقلوبا لتصل وأن يكون أسفلك أعلاك وأعلاك أسفلك.. والحمقي في امتنا هم النخبة والزبدة والصفوة من رجال المال والسلطة.. والأحمق لا يشبع مالا ولا سلطة كما قال الشاعر:
حب الرياسة داء لا دواء له
وقل ما تجد الراضين بالقسم
والأحمق يحب أن يسمع فيك ولا يسمع منك.. ويحب أن يسمعك في ذم الناس ويسمع الناس في ذمك.. والحمقي بهذه الصفة هم الذين وصفهم الشاعر العربي القديم قعنب بن أم صاحب قائلاً:
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به
فطانة فطنوها لو تكون لهم
إن يسمعوا سيئاً طاروا به فرحاً
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
مروءة أو تقي لله.. ما فطنوا
مني.. وما سمعوا من صالح دفنوا
وقوله: أذنوا أي أصغوا واعطوا آذانهم لمن يذكرني بسوء - وكل رذيلة واحدة في ذاتها فالزني زني.. والسرقة سرقة.. والكذب كذب الا الحماقة فإنها "كوكتيل" رذائل وكبائر وتزيد عليها المجاهرة والمكابرة والعناد والعزة بالإثم.. والمفاخرة بالكبائر.. والأحمق ليس له وطن إلا ذاته التي يسير إلي إرضائها مقلوبا وعلي جثث الجميع.. وهذا ما نراه ماثلا في كل مجال عربي بلا استثناء.
وعندما أصابت الحماقة شعوب الأمة العربية أصبح كل واحد منا دولة داخل الدولة.. وأمة في قلب الأمة.. كل منا له أجندته الخاصة.. ومشروعه القومي الخاص.. وكل منا منافق أحمق يلمز وطنه في الصدقات فإذا أعطي منها هتف للوطن وإذا لم يعط منها سخط وبصق علي الوطن وأبدي استعداده لخيانته والتجسس عليه.. كل منا يقول: "اشمعني".. وحقوق الإنسان عند كل منا أن يأخذ حق غيره لا حق نفسه.. فالمرأة تريد أن تسترجل لأن هذا حقها.. والمرأة لا تريد أن يكف الرجل عن تعدد الزوجات.. بل تريد أن تعدد هي الأزواج.. والحكومة تري بالعافية أنها تتحدث باسم شعب لم يخترها ولم يؤخذ برأيه في مجيئها أو ذهابها.. الحكومات تري أن من حقها أن تفعل ما تريد لأنها مفوضة من شعوب لم تفوضها.. بل من شعوب لا وجود لها.. وتري أنها حكومات ديمقراطية جاءت بطريقة ديكتاتورية.. فالديمقراطية في أمة العرب افتراضية تخيلية.. لأن الشعوب والحكومات والمعارضات افتراضية تخيلية.. أو هي كذبة صدقناها رغم أننا "دافنينه سوا".
***
والمعارضة في أمة العرب تري بالعافية وبضرب الجزمة أنها تتحدث باسم الشعب الذي لا يعلم عنها شيئاً.. والمعارضة والتعددية في أمة العرب تم تحضيرها في المعامل الحكومية.. فهي تعددية أنابيب ومعارضة بالتلقيح الصناعي.. وقد تم استئجار رحم الحكومة لزرع بويضة المعارضة.. فولدت الحكومة المعارضة لكن هذه المعارضة بعد أن شبت عن الطوق وبلغت أشدها.. عرفت أن الحكومة ليست أمها الحقيقية وأن رحم الحكومة مجرد وعاء تم استئجاره لزرع بويضة المعارضة.. وبالتالي عقت المعارضة الحكومة ورفضت أمومتها.. رغم أن الحكومة هي التي تصرف عليها.. والحكومة والمعارضة معا يزعمان أن الشعب هو والد طفل الأنابيب الحكومي أو المعارض.. لكن كل التحاليل تؤكد أن الشعب العربي من المحيط إلي الخليج عقيم وعاجز حتي عن ولادة نملة.. وأن الحكاية كلها سفاح في سفاح.. ونكاح خارج الشرعية.
وبعد كل هذا "اللت والعجن".. وتحليل الحامض النووي.. والبهدلة في المحاكم نكتشف أننا جميعاً أولاد حرام.. لا تدري من ينتسب إلي من.. ومن ينكر نسب من.. نكتشف أن الأمة كلها خالية تماماً من أولاد الحلال.. لذلك لن يجيبك أحد ولن يعيرك أحد التفاتاً أو اهتماماً وأنت تجوب الطرقات من المحيط إلي الخليج منادياً: "يا أولاد الحلال.. أمة تايهة طول كده.. فرجها الشمال.. فيه خيار زي ده".
لا مجيب.. لأنك تنادي من لا وجود له ولا حياة.. فأولاد الحلال في أمتنا ماتوا ولم يشبعوا موتا كما قالت صديقتي التي غابت عنا طويلاً هالة أبوالحمايل.. من دمياط.
تكتشف بعد فوات الأوان أنك تقول للناس: "ثور".. فيقولون "احلبوه" وتسألهم: "العلبة دي فيها إيه؟" فيقولون: "فيها خيار".. تكتشف بعد خراب مالطا أن الناس لكي يفهموا ينبغي أن تكتب وتقول لهم ما لا يمكن فهمه أو استيعابه.. وأن المنطق هو اللامنطق وأن النظام هو اللانظام وهو العشوائية أو ما وصف به عبدالملك بن مروان الحجاج بن يوسف وهو يعنفه قائلاً: إنك خابط خبط عشواء الليل.
يا أصدقائي السيد نوار ونصر وأميرة فوزي إن الناس وهم يتكلمون أو وهم يسمعون.. وهم يكتبون أو وهم يقرأون لا يعنون شيئاً ولا يعون.. لا تستطيع أن تصل إليهم ولا تستطيع أن تلومهم وتعنفهم ويذكرونني بامرأة عجوز في قريتنا رحمها الله كنا ندعوها "خالتي سيدة".. وكانت في غاية السذاجة والغفلة والطيبة والحماقة أيضاً "كله علي بعضه".. وكنا في شرخ الصبا قبل ألف ألف عام.. وبلغ بنا الحديث يوم القيامة وما يجري فيه.. وإذا بخالتي سيدة تقتحم حديثنا قائلة: "من يوم ما اتولدنا وهم يقولوا علي يوم القيامة ده.. باين عليه كدب".. وانتفض واحد من الشلة يريد الفتك بخالتي سيدة التي لم تعرف لماذا ثار هذا الأحمق في نظرها.. وتشبثت أنا بهذا الثائر الهائج وقلت له: لقد أصابتك عدوي الحماقة.. هذه يا صديقي امرأة لا نلومها ولا نصحح لها خطأها.. لا شيء سوي الصمت وعدم الاكتراث.. ولا جدوي من الشيء أو نقيضه هنا.. وتذكرت ساعتها حكاية نبي من أنبياء بني إسرائيل مع أحد حمقاهم.. إذ مر النبي بالأحمق وقد ربط حماره ووضع أمامه العلف ورفع يديه إلي السماء وهو يقول: يارب.. لو كان لك حمار لعلفته مع حماري هذا.. فهم النبي بالأحمق يريد الفتك به فأوحي إليه أن خاطب الناس وعاملهم علي قدر عقولهم.
هل بلغت شعوب أمتنا يا أصدقائي الدرك الذي بلغته خالتي سيدة وأحمق بني إسرائيل؟ لا أخشي والله أن أقول: نعم.. لكني أخشي أن تقولوا أنتم: لا.. ليس إلي هذا الحد..
اعتبروني أحمق.. وصححوا لي مفهومي الخاطيء.. ماذا تسمون أنتم الحالة العربية في كل مجال؟.. ماذا تسمون حرق الدم والأعصاب الذي نحن فيه؟ ماذا تسمون رجلا يرسل إلي وأنا محروق الدم ليقول: ولو.. نحن مشغولون بلقمة العيش عن كل ذلك الذي تصرخ به.
***
لقد بلغنا ما هو أسفل من الدرك الأسفل.. فلا ينشغل بلقمة العيش وحاجة البطن والفرج إلا الأنعام - والعرب الآن أضل سبيلا من الأنعام.. لا شيء يغضبهم ولا شيء يثير حميتهم وغيرتهم ولا شروط لهم فيمن يركب ويدلدل رجليه.. تحسبهم أيقاظا وهم رقود.. سكاري وما هم بسكاري.. يملأون شر وعائين هما البطن والفرج وحطموا خير وعائين هما القلب والعقل.
هذه أمة عشوائية.. ولا يذهبن تفكيرك إذا كنت مازلت تفكر إلي ان العشوائية كما "تدوشنا" بها الحكومة هي عشوائية المكان والجغرافيا.. فإنني أري أن الجرح أعمق من ذلك وأكثر اتساعا وأن العشوائية منهج عربي.. العشوائية إنسان وتاريخ.. وإزالة العشوائيات المكانية لا تجدي لأنها ستولد من جديد ما بقي الإنسان العربي عشوائياً.. وإزالة العشوائيات تتطلب إزالة الإنسان العشوائي.. والإنسان العربي العشوائي إناء ينضح بما فيه.. ينضح مناطق عشوائية في كل مكان.. والعربي مثل أبنيته.. بلا أساس وبلا رخصة "يدوبك هو دور واحد" وإذا به يخالف ويعلو إلي عشرين طابقاً.. إذا به وهو بلا أساس يتحول إلي ناطحة سحاب.. إذا به وهو بلا أساس يصبح علي قمة شاهقة من النجومية والذيوع.
والعشوائية الأخطر هي التي تعني حدوث ما لا ينبغي أن يحدث.. وسطوع من ينبغي أن يأفل وشروق من يجب أن يغرب.. وارتفاع ما يجب أن يسقط وأن يثري من ينبغي أن يطحنه الفقر.. وأن يفتقر من يجب أن يغتني.. وينجح من يجب أن يفشل ويفشل من يتوجب أن ينجح.
العشوائية لا تستثني مجالاً عربياً.. فالمناطق الراقية عشوائية لأن سكانها عشوائيون والأبراج التي تحجب النيل عشوائية لأن أهلها فرضوا عشوائيتهم بالقوة والسلطة والمال.. والمدارس.. كل المدارس.. وكل الجامعات مناطق عشوائية.. ووسائل المواصلات مناطق عشوائية.. وأصحاب المهن والحرف أناس عشوائيون.. الصحفي عشوائي والمحامي عشوائي والطبيب عشوائي والقاضي عشوائي والوزير عشوائي.
"ونروح بعيد ليه؟".. فالخلاصة والقول الفصل أن العشوائية من علامات الساعة.. لأن العشوائية تعني الخلل.. أي لا شيء في مكانه.. ولا شيء في وقته.. ولا شخص في موقعه الصحيح أو في دوره بالطابور.. الخلل العام والشامل والدائم بالشرق الأوسط هو بعينه العشوائية.. المقاومة إرهاب.. والخيانة خيار استراتيجي وتعقل.. والاحتلال تحرير.. والشعوب قطيع من الأغنام تساق إلي المجزر والمذبح وهي تغني وتهتف وتحب وتعشق وتصلي وتزني.. وتسرق وتختلس بسم الله.. العشوائية والخلل أن يكون حاميها هو نفسه حراميها.. وأن يكون الحرامي مرشداً للعسكري.. وأن نمحو الأمية لنفخر بأن لصوصنا وبلطجيتنا وعاهراتنا وقتلتنا أصبحوا مؤهلات متوسطة وعليا وحملة ماجستير ودكتوراة.
مغناطيس العشوائية العربية قوي.. وقادر علي جذب أي امريء قادم من بلاد الغرب وحاصل علي أرفع الجوائز ليصبح ترسا في آلة العشوائية العملاقة.. وهكذا دخل أحمد زويل المكلمة والتخبط والثرثرة.. وسقط مصطفي السيد في بحر أضواء العشوائية وعسلها.. ومفرمة الكلام والمحاضرات و"الرغي".. لا أحد يستطيع مقاومة منظومة العشوائية العربية.
***
وعندي ألف دليل علي أن العشوائية من علامات الساعة.. والأدلة كلها شرعية.. حيث الخلل واللانظام عندما تلد الأمة ربتها.. ويتطاول الحفاة العراة رعاة الشاة في البنيان.. وأن يكون مالنا عند بخلائنا وعلمنا عند جهلائنا وحكمتنا عند سفهائنا.. وأن يشيع زني المحارم.. وأن يظهر الفساد في البحر والبر والجو بما كسبت أيدي العشوائيين وأن نرضي الدنية في ديننا وقضايانا وأن نصبح غثاء سيل وعدداً في الليمون وأن يقذف الله في قلوبنا الوهن وهو حب الدنيا وكراهية الموت في سبيل الله.. وأن يكون المرء في الوضع الطبيعي مربوطا من لسانه بينما العربي الآن مربوط من بطنه وفرجه.. وأن يفتي الدهاة والعوالم.. وأن يصبح القابضون علي دينهم وقيمهم كالقابضين علي جمر النار.. وأن يصبح كل امريء دولة داخل الدولة وأمة داخل الأمة.. وأن نجعجع بلا طحن وأن يصبح كل شباب العرب "روش طحن".. ويضع "الملعقة في الصحن".. ويعزف أسوأ لحن.. أن تخاطب من لا يعي.. وأن أعض من الغلب والهم إصبعي.
والعشوائية هي النتيجة الحتمية لوباء الحماقة الذي انتشر.. وجيش الزيف الذي انتصر.. ولا أملك إلا أن أدعو ربي بدعاء نوح عليه السلام: إني مغلوب فانتصر.. فقد بلغت التراقي وذاب الفرق بين الرقيع والراقي.. واتسع الخرق العربي علي الراتق.. ولم يعد يجدي مع العربي نصح ولا نطح.. فإن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث.. ينهق إذا ضحك وينعق إذ بكي.. وهذا دأب الأحمق.. والحماقة لا شيء يداويها ولا شر يدانيها.. وويل لنا ولأمتنا ممن إذا قال أو ضحك نهق وإذا بكي نعق وإذا فهم نفق!!
نظرة
كل الأبواب إلي قلوب وعقول العرب موصدة.. وعلي هذه العقول والقلوب حارس وحاجب ثقيلان يمنعان الدخول هما البطن والفرج.. ولم يعد بالإمكان أن تستغضب العربي أو ترضيه.. فالبطن والفرج لا يرضيان.. والقلب والعقل ميتان.. ولا غضبة لميت.. والحكومات والنخب في أمتنا ديمقراطية جدا.. تترك الأقوال والنهيق والنعيق بلا رقابة وتطبق شعار الخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: إننا لا نحول بين الناس وألسنتهم ماداموا لا يحولون بيننا وبين سلطاننا.. والشعار "الماشي زي الحلاوة" وترفعه الحكومات والنخب هو: قل ما يحلو لك.. وافعل ما يحلو لنا!!