قَصْر الأمــــير بَشْتَك | قِصة أثــــــر .كان مَوضعه في زَمن الدوَلة الفَاطِمية " العُبَيدية " قَصْر كَبير يُعرف بالقَصْر الشّرقي أو المُعزي نِسبة إلى المُعز لدين الله مُؤسس الدَولة في مِصر ، إخْتَطه قَائده جَوهر الصِقلي عام 358 هـ ليَكون مَقراً لخُلفاء الفَاطميين ، وبعد سقوط الدوله تّداوله عددٌ مِن النَاس حَتى صَار مِن أمْلاك بَدر الدِّين بَكْتَاش الفََخْري أمير سِلاح " أي المُتولي لأمر السِلاح " أيام المَلْك الصالِح نَجمُ الدِّينْ أيوب و سَلاطين المَماليك مِن بَعده ، و كان مِن جُملة هَذا القَصْر عَددٌ مِن المَساجِد أبقى عَليها و لم يَتعرض لهَدمِها ، و عَمْر له و لِحَاشِيته دُوراً و عِدة إصْطّبلات .
بَعد وفاة بَكْتَاش عَمل أحدْ الأمراء في عَصر السُلطان النّاصِر مُحمد بن قَلاوون و يُدعى سَيف الدين النَاصري بَشْتَك أو " بَشْتَاك " عَلى تَمَّلُكه رَغبة مِنه في أن يَكون له دارٌ عَظيمة أسوة بأُستاذِه و غَريمه اللَّدُود سَيف الدِّين النَاصري قُوصْوُن أحد كِبار أُمراء الدّولة و زَوج كَريمة السُلطان النّاصر و الذي كان يَسكن القَصْر المُقابل له في نِهاية الشَارع و المَعروف بقَصْر بَيسَرى ، ذلك أن بَشْتَك و قُوْصوُن كانا يَتناظران و يَتاضدان و يَقصدُ كُل مِنهُما أن يُسامي الاّخر و أن يَعلو و يَزيد عَليه في التَجمُل ، و مَازال بَشْتَك يُجاهد و يَسعى لحَوزته حَتى نَجح في شِرائه مِن وَرثتة ، و أقتطع له السُلطان النّاصر أيضاً قِطعة الأرض التي تَقع بداخله و كان يَشغلها عَددٌ مِن المَباني يَسكُنها الفُقراء و أحدْ عَشر مَسجِداً ، هَدمها بَشْتَك جَميعاً إلا مَسجدٌ واحدْ ، و شَرع في بِناء قَصْره مُلحقاً الطّابق الأرّضي بعِدة حَوانيت كان يُباع فيها الحَلوى و غَيرُها ، فانتهى مِن عِمارته عَام 738 هـ ليُصبح مِن أَبْهَى و أضخَم و أعظَم مَباني القاهِرة .
و هُنا يَقول شَيخُنا التَقي المقريزي : فصّار الأمرُ أخيراً كما كان في أولهُ بتَسمية الشارع بَين القَصْرين ، وأصبَح قَصْر بَشْتَاك و قَصْر بَيسرى و ما بَينهُما مِن الشَارع يُقال له بَين القَصْرين ، و مَن لا عِلم له يَظنُ إنما قِيل لهذا الشَارع بَين القَصْرين لأجل قَصْر بَشْتَاك و قَصْر بَيسرى ، و ليس هذا بصَحيح ، و إنما قِيل بَين القَصْرين قَبل ذلك حِين بُنيت القاهرة ، فإنه كان بَين القَصْرين القَصْر الكبير الشّرقي و القَصْر الصَغير الغَربي اللّذان شَيدهُما خُلفاء الفَاطميين .
مَات بَشْتَك و لم يَهنأ بهذا القَصْر أبداً و لا أقام فِيه يَوماً و لا بَات بِه لَيلةٌ واحِدة ، و كان كُلما نَزل إليه يَنقبض صَّدره و تَضيقُ ُنَفّسه ، حَتى تشَاءم مِنه و كَرِهَه ثُم بَاعهُ فِي اّخر الأمر ، و لعَلها وَخْزات الضَّمير و الشعور بالذَنب و النّدم لِما جَنتهُ يَداه بَإقدامه عَلى تَعمير قَصْرِه عَلى أنقاضْ بيوُت الرَحمن إرضاءً و تَلبيةً لأطماعه و شَهواته - هذا و المَولى أعْلَى و أعْلم .
___________________________________________
مُحيي الدين بن عَبد الظاهِر | الرَّوضَة البَهية الزَاهِرة في خِطَطِ المُعزية القاهِرة - ص 13
تَقي الدين المقريزي | اتِعاظُ الحُنفا بأخبار الأئِمة الفَاطميين الخُلفا " ج 1 - ص 114 "
صَلاح الدّين الصّفَدي | أعيان العَصر و أعوان النَصر " ج 1 - ص 690 & 700 | ج 4 - ص 136 : 141 "
صَلاح الدّين الصّفَدي | الوافي بالوَفيات " ج 10 - ص 88 & 120 "
إبن حَجر العَسقلاني | الدُرَرُ الكَامِنة في أعيان المائة الثامِنة " ج 1 - ص 477 & 480 "
إبن تَغري بَردي | المَنهل الصَافي و المُستوفي بَعد الوافي " ج 3 - 367 & 385 | ج 9 - ص 107 "
أبي العَبّاس القََلقَشندي | صُبح الأعشَى في صَناعة الإنشَا " ج 5 - ص 456 "
تَقي الدين المقريزي | المَواعظ و الإعتبار بذِكر الخِطط و الاّثار " ج 2 - ص 516 ، 517 & 518 "
عَلي باشا مُبارك | الخِطط التَوفيقية " ج 2 - ص 20 "