ابداع
عزيزي الزائر : اثبت وجودك لا تقرأ وترحل شارك بموضوع أو حتى كلمة شكر .
لا تكن سلبياً وكن عضوا مفيدا
ابداع
عزيزي الزائر : اثبت وجودك لا تقرأ وترحل شارك بموضوع أو حتى كلمة شكر .
لا تكن سلبياً وكن عضوا مفيدا
ابداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ابداع

تعلم فليس المرء يولد عالماً ***** وليس أخو علم كمن هو جاهل ُ
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
نحن نسعى للتميز - والتميز للجميع ... منتدى dkrory.ibda3.org منتدى كل أفراد الأسرة
شعارنا التميز والتميز للجميع
مرحبا بكم فى منتدانا >> dkrory.ibda3.org  
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
مكتبة الصور
آدم عليه السلام Empty
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» من سير الرجال
آدم عليه السلام Empty12/10/2014, 18:01 من طرف dkrory

» قَصْر الأمــــير بَشْتَك
آدم عليه السلام Empty11/10/2014, 15:24 من طرف dkrory

» عقوبة الكذب عند النمل
آدم عليه السلام Empty11/10/2014, 12:14 من طرف dkrory

» غز للعباقرة
آدم عليه السلام Empty10/10/2014, 18:04 من طرف dkrory

» من أسرار الكعبة وثلاثة أسرار لا نعرفها عن الكعبة
آدم عليه السلام Empty10/10/2014, 17:57 من طرف dkrory

» الموت
آدم عليه السلام Empty10/10/2014, 12:10 من طرف dkrory

» اجعل ثقتك بربك زاداً لحياتك
آدم عليه السلام Empty10/10/2014, 11:44 من طرف dkrory

» قانون التركيز
آدم عليه السلام Empty10/10/2014, 11:40 من طرف dkrory

» (اعيادنا بين الامس واليوم)
آدم عليه السلام Empty10/10/2014, 11:35 من طرف dkrory

التبادل الاعلاني

 

 آدم عليه السلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
dkrory
Admin
Admin
dkrory


عدد الرسائل : 862
نقاط : 6436

آدم عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: آدم عليه السلام   آدم عليه السلام Empty27/11/2008, 20:34

آدم عليه السلام




آدم هو أوَّل إنسان أوجده الله تعالى على سطح هذه الأرض، وجعله أباً للبشر جميعاً، فمنه نسل النَّاس كلّهم وإليه ينسبون وهو e أوَّل الأنبياء والمرسلين، وبه بدأ الله تعالى النبوة والرسالة كما ختمها بسيدنا محمَّد صلوات الله عليه، وقد خلق الله تعالى سيدنا آدم e من تُراب ثمَّ سواه ونفخ فيه الروح فإذا هو إنسان كامل وبشر سوي، قال تعالى: {إنَّ مَثَلَ عِيسى عِندَ اللهِ كَمَثلِ آدمَ خَلَقهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}. {الذي أَحسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ}.

وقد بدأ الله تعالى خلق الإنسان من تراب أي من الأرض لتكون هناك موافقة بينه وبين الأغذية التي منها بناء جسمه وعليها نماؤه، فالنباتات والفواكه والأغذية كلها إنما تنشأ من التراب وإليه تعود، وكذلك جسم الإنسان نشأ في أصله من التراب وإليه يعود.. وإلى ذلك تشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {مِنهَا خَلَقنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} ، وبما أنَّ الإنسان في عالم الأزل تصدَّى لذلك المقام العالي الذي يصل به إلى أسمى درجات المعرفة بربِّه ويُصبح جديراً بنيل أكبر قسط من تجلِّيه تعالى وحيث أنَّ آدم e كان في ذلك اليوم العظيم من أولئك الرجال الصادقين الذين اشتقوا بإقبالهم العالي على الله العدل والحكمة والرأفة والرحمة وسائر صفات الكمال لذلك اختاره ربُّه بما علمه فيه من صدقٍ وسبقٍ في ميادين الحبّ والإقبال، وبما علمه فيه من الاستعداد للكمال لأن يكون خليفته في أرضه يُبلِّغ النّاس بالنيابة عنه تعالى شريعته التي فيها خيرهم وسعادتهم كما يكون لهم سراجاً منيراً يشهدون بصحبته كمال وجمال من هو في الأصل منبع كل جمال وكمال ذلك هو مقام الخلافة الذي كان عليه آدم e حقيقاً به وأهلاً له، وإلى ذلك تشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وإذْ قَالَ رَبُّكَ للمَلائِكَةِ إنِّي جَاعِلٌ في الأرضِ خَلِيفَةً}. وقد أخبر تعالى ملائكته بهذا الإخبار تعريفاً لهم بمكانة هذا المخلوق الكريم لترتبط نفوسهم بهِ وتُقبل على خالقها بصحبته فتزداد بهذا الخالق معرفة وفي الكمال الإلهي شهوداً.. وحيث أنَّ الملائكة رأوا ما فعله إبليس وذريته من قبل وما ظهر من الفساد في الأرض قالوا في أنفسهم: {..أَتَجعلُ فِيهَاْ مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّماءَ..}: أي هل يكون من هذا الخليفة ما كان من إبليس وذريته من قبل من الفساد في الأرض وسفك الدماء.

إنهم طلبوا في سرِّهم الخلافة لأنفسهم لما يعلمونه من صدقهم مع خالقهم وعدم ميلهم إلى ما سواه. قالوا ذلك في سرِّهم وهم لا يعلمون ما انطوت عليه نفس آدم e من الكمال، كما لا يعلمون ما اشتمل عليه قلبه من الحبِّ العالي لربِّه وسبقه إيَّاهم في ذلك المضمار سبقاً لا يُدانيه فيه أحد منهم أجمعين ولذلك خاطبهم ربهم بقوله: {..إنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}.

وبما أنَّ الله تعالى لا يُعطي أحداً من الخلق إلاَّ ضمن العدالة وبما يظهر منه من الاستعداد والأهلية، وحيث أنَّ الأنفس لا يمكن أن ترتبط بأحد إلاَّ إذا عاينت تفوقه عليها وشهدت سبقه شهود عيان، لذلك أراد تعالى أن يُري الملائكة أهلية آدم e، وما وقر في نفسه من كمال وما انطوى عليه قلبه من حبٍّ لخالقه فخلقه تعالى كما ذكرنا من قبل من طين، ثمَّ سوَّاه ونفخ فيه الروح فإذا هو إنسان مثلنا لا يختلف عن واحد منَّا في تركيبه الجسمي في شيء. ونظر سيدنا آدم e ساعتئذٍ في نفسه، ونظر فيما حوله من آيات الكون ونظامه فاهتدى لخالقه وقدَّره تقديراً، شاهد e من حكمة الحكيم ومن علم العليم وقدرة القدير ورحمة الرحيم وغير ذلك من الأسماء الحُسنى ما جعله يهيم في محبة خالقه سابحاً ويستغرق في شهود كماله تعالى استغراقاً. وإن شئت فقل صار لآدم عليه السلام بإقباله العظيم على ربِّه معرفةً بأسمائه تعالى كلها معرفةً لم يتوصَّل إليها الملائكة المقربون جميعاً. وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا..}.

وإذاً فليست معرفة الأسماء التي استحق بها آدم e أن يكون خليفة الله في أرضه معرفة أسماء الحيوانات والنباتات والقصعة والوعاء كما يتبادر إلى أذهان بعض الناس، إنَّما هي معرفة أسماء الله الحُسنى جلَّ جلاله.

والآن بعد أن علم آدم من أسماء الله الحُسنى ما علم، أراد تعالى أن يُبيِّن للملائكة الذين طلبوا الخلافة لأنفسهم منزلة آدم عليه السلام وأنَّه حقيق بأن يتسنَّم هذا المقام وبأن يكون لهم إماماً يدخلون بمعيَّته على الله. ولذلك أمر آدم عليه السلام أن يعرض عليهم أسماء الله تعالى ويسألهم عنها. وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {..ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلائِكةِ..}: أي أنَّ عرض الأسماء كان بواسطة آدم e على الملائكة.

ثم أجرى تعالى المناقشة بين آدم والملائكة، إذ أُمر e أن يسأل الملائكة عمّا ينطوي تحت هذه الأسماء الحُسنى من معانٍ، وسأل آدم e عن اسم الله تعالى الرّحمن وعن اسمه القادر وعن اسمه الحكيم وإلى غير ذلك من الأسماء الحُسنى وطلب منهم أن يُنبؤوه عمّا عرفوا عن هذه الأسماء أي عمّا شاهدوه من رحمة الله وقدرته وحكمته وغير ذلك ممَّا ينطوي تحت الأسماء الحُسنى من المعاني السامية التي لا يعرفها إلاَّ من كان له إقبال على خالقه.

وإلى هذه المناقشة بين آدم e وبين الملائكة تشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {..أنبِئونِي بِأسمَاءِ هَؤُلاءِ إنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}: أي أنَّ الله تعالى أمرهم أن يبيِّنوا ما عندهم من المعرفة عن كل اسم من هؤلاء الأسماء الحُسنى التي عرضها عليهم آدم e، فإن كانوا صادقين في أنَّهم أهل للخلافة سبقوا آدم في البيان فإنَّ الخلافة لا تُعطى جزافاً إنَّما تُعطى لمن عرف أسماء الله تعالى الحُسنى معرفةً عالية فاق بها غيره وبزَّ بها وسبق كلَّ من عاصره فإن هو بلغ هذه المعرفة العالية كان حقيقاً بذلك المقام مقام الخلافة.

هنالك أجاب الملائكة، كل واحد منهم جواباً متناسباً مع إقباله على الله وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لا عِلمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إنَّكَ أنتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ}. أي أنهم خاطبوا ربهم قائلين: {سُبْحَانَكَ} أي: ما أعظم كمالك!. لقد أجبنا بحسب ما علمناه بإقبالنا عليك و {أنتَ العَلِيمُ}: بحال كل واحدٍ منَّا وبدرجة إقباله وأنتَ {الحَكِيمُ}: الذي تكشف لكل مخلوق عن المعرفة بحسب ما تراه منه من صدقٍ وإقبال.

وبعد أن بيَّن الملائكة ما عرفوه عن أسماء الله أراد تعالى أن يُريهم معرفة آدم e التي سبقهم بها وأنه e حقيق بمقام الخلافة ولذلك أمره أن يُبيّن لهم بدوره فيتكلَّم ويُنبِّئهم عن أسمائهم أي عن أسماء الله تعالى الحُسنى التي كانوا قد تحدثوا عنها آنفاً، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {قَالَ يا آدَمُ أَنبِئهُم بِأسمَائِهمْ..}: أي تكلَّم أنت لهم عن الأسماء الحُسنى التي كانوا شرحوها وتكلَّموا عنها.

هنالك أخذ آدم e يُبدي ما لديه من المعرفة عن أسماء الله تعالى تلك المعرفة العالية التي توصَّل إليها بإقباله العظيم، وبيَّن آدم عليه السلام بياناً وتكلَّم عن أسماء الله الحُسنى وعمَّا ينطوي تحتها من كماله تعالى كلاماً سبق به الملائكة جميعاً وهنالك خاطبهم ربهم مبيِّناً لهم أنه لم يُعطِ آدمَ ذلك المقام جزافاً إنَّما عطاؤه له بحسب ما علمه فيه من سبق في مضمار الحُب والإقبال. وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {..فلَمَّا أَنبَأَهُم بأَسْمَائِهِمْ..} أي: فلمَّا بيَّن آدم للملائكة عن تلك الأسماء الحُسنى ما بيَّن وظهر تفوُّقه عليهم عند ذلك خاطبهم ربهم بما تُشير إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: {..أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمواتِ وَالأَرْضِ..}.

ثم بيَّن تعالى أنه عليم بما في نفوسهم من قبل أن يبدوا ذلك ويُبيِّنوه فقال تعالى: {..وَأَعلَمُ مَا تُبْدونَ وَمَا كُنتُم تَكْتُمُونَ}: أي وأعلم ما تُبدون الآن من الإقرار بالحق وما كنتم تكتمون من طلب الخلافة لأنفسكم.

أقول: وهذا الخطاب الذي جرى بين الله تعالى وملائكته ممَّا تُشير إليه كلمة (قالوا) حينما يكون الكلام عن الملائكة وكلمة (قال) حينما يُشير الكلام إلى قوله تعالى، كل هذا القول إنَّما كان قولاً نفسيّاً، فقد قال الملائكة ذلك في أنفسهم كما سمعوا الجواب عليه في سرِّهم فكلما سألوا في أنفسهم سؤالاً ألقى الله تعالى في نفوسهم جواب ذلك السؤال.

ونعود الآن إلى القصة التي نحن بصددها فنقول:

لمَّا ظهر للملائكة سبق آدم عليه السلام وتفوقه عليهم في المعرفة والإقبال على الله هنالك أمرهم الله تعالى أن يقبلوا عليه بصحبته e صحبة آدم فيتخذوه سراجاً منيراً لنفوسهم وإماماً لهم في إقبالهم على خالقهم وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وإِذْ قُلْنَا للمَلائكةِ اسْجُدُوا لآدَمَ..}.

وليس المراد من السجود انحناء الرأس أو وضع الجبهة والكفين والقدمين على الأرض كما يفهمه العامة من الناس، فإن هذا الوضع الجسدي هو في الحقيقة رمز وتعبير لسجود النفس، وسجود النفس هو تقديرها لصاحب الفضل وطلبها حاجتها منه.

فإذا سجد أحدنا في صلاته فمعنى ذلك أنه يقدِّر فضل خالقه عليه في دلالته إيَّاه وهدايته إلى ما فيه خيره وسعادته كما يطلب منه المعونة والإمداد بالقوة على تطبيق تلك الدلالة السامية التي أمره بها عقب قراءة الفاتحة. وما سجود الملائكة لآدم e إلاَّ تقديرهم وخضوعهم النفسي لمقام هذا الرسول الكريم وطلبهم الإقبال بمعيَّته على الخالق العظيم، لأن الأدنى إذا ارتبطت نفسه بالأعلى وأقبلت بصحبته على الله تعالى فهنالك ينعكس فيها ما ارتسم في نفس من ارتبطت به من حبٍّ لله ومعرفة به وإقبال عليه وعندئذٍ تزداد بهذا الارتباط حبّاً ومعرفة وإقبالاً لحظةً فلحظة وآناً فآناً وتلك هي حقيقة الشفاعة شفاعة ارتباط نفس بنفس وصحبتها معاً في طريق إقبالها على الله ليسمو القوي بالضعيف وينهض الأعلى صَعَداً بالأدنى ويعرج به في معارج القدس والكمال كما عرجت نفس الرسول محمَّد e بنفوس الرُسل الكرام ليلة الإسراء. وكذلك الملائكة حينما أمرهم الله تعالى بالسجود لآدم e ارتبطت نفوسهم مستشفعة به عارجة بمعيَّته في إقبالها على الله. وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {فَسَجَدُواْ}.

نعم.. سجد الملائكة كلُّهم كما يُشير القرآن الكريم بذلك في قوله تعالى: {فَسَجدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون} وامتنع إبليس عن السجود وأبى واستكبر. أي وجد في نفسه إباءً عن طاعة الله واستعلاءً عن السير بصحبة هذا الرسول الكريم.

وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {..فَسَجَدُوا إلاَّ إبلِيسَ أبَى واستَكْبَرَ..}. وقد بيَّن لنا تعالى سبب إباء إبليس واستكباره لنتوقَّى ذلك نحن ويكون لنا منه درس بليغ فقال تعالى: {..وَكَانَ مِنَ الكَافِرِين} أي: إن كفر إبليس هو الذي جعله يأبى ويستكبر.

وكلمة (كَانَ) تفيد أنَّ إبليس كان كافراً من قبل أن يأمر الله تعالى ملائكته بالسجود لآدم e. وأمَّا كلمة (مِنَ الكَافِرِينَ) فمعناها من المنكرين نعمة الخالق وغير المقدِّرين لفضل الله لأن الكفر هو نُكران النعمة والإعراض عن المحسن وعدم تقدير فضله، وليس هو نكران وجود الخالق ولا عدم الاعتراف به. والآيات التالية تُشير إلى هذا المعنى وتبيِّن لنا اعتراف إبليس بربِّه وإقراره بخالقه، فمن ذلك قوله تعالى: {..فَسَجدُوا إلاَّ إبلِيسَ قَالَ ءَأسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً}.

{..قَالَ أَناْ خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِن نَارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طِينٍ}.

{قَالَ رَبّ فَأنظِرني إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}. فإبليس كما يظهر لنا من هذه الآيات وغيرها من الآيات الواردة في القرآن الكريم، مُقرٌّ بالأصل بوجود الخالق معترف بربِّه غير أنه ليس في نفسه تقدير لفضل الله ونعمته، وليس له إقبال على خالقه ولا معرفة بكماله ولا ميل إليه. أقول: ومن هنا يتبيَّن لنا أنَّ الإنسان إذا هو لم يفكِّر في نعمة الخالق ولم يرَ فضل الله عليه فليس بمؤمن حقّاً وإن كان مقرّاً ومعترفاً بخالقه وهو لا يستطيع أن يعرف مقام الرُسل الكرام ولا يمكن لنفسه أن ترتبط بهم ولا أن تدخل بصحبتهم على الله بل يظل مطروداً بعيداً عنهم بعيداً عن الله.

ونستطيع هنا وبالاستناد إلى الآيات السابقة أن نرد كثيراً من المزاعم الخاطئة التي يزعمها فريق من الناس إذ يقولون أنَّ إبليس كان رئيس الملائكة وكان شديد العبادة لربه، وإنه لم يترك بقعة في السماء إلاَّ سجد فيها. ومع ذلك بلحظة واحدة حبطت أعماله كلها، فهم يزعمون هذه المزاعم ويُريدون من وراء ذلك أن يُلقوا الشك في قلوب الناس بعدالة الله وأن يجعلوهم دوماً غير مطمئنين لما يقدِّمون من صالح الأعمال.

فهذه المزاعم كلها مخالفة لصريح القرآن، فإبليس كما رأينا لم يكن مقبلاً على خالقه، ولم يسجد له سجدة واحدة بل كان من الكافرين. وإبليس ليس من الملائكة بل هو من الجن، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {..فَسَجَدُوا إلاَّ إبلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمرِ رَبِهِ..}. وبعد أن أظهر الله تعالى للملائكة تفوق آدم e عليهم في علمه ومعرفته بكمال ربِّه أراد تعالى أن يُريهم سبقه إياهم في حبِّه لخالقه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://dkrory.mam9.com
dkrory
Admin
Admin
dkrory


عدد الرسائل : 862
نقاط : 6436

آدم عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: آدم عليه السلام   آدم عليه السلام Empty27/11/2008, 20:36

وبياناً لمقام آدم e بالنسبة للملائكة في حبِّه لربِّه وتقريباً للحقيقة من الأذهان نقدِّم المثال الآتي فنقول:

هّبْ أن أُمّاً أوصت ولديها الصغيرين بأن لا يركضا في صحن الدار مخافة أن يُصابا بأذى وفي يومٍ عادت الأم بعد غياب طويل، فما أن رآها أحدهما حتى هرع إليها وأنساه حبُّه إيَّاها أمرها فهوى ساقطاً على الأرض أمَّا الآخر فذكر أمر أمه وتحذيرها فلم يهرع إليها كما هرع الأول. ترى أي الولدين أشد حبّاً لأمِّه؟. أليس الذي أنساه حبُّه إيَّاها أوامرها هو الأكثر ارتباطاً والأشد حبّاً لها؟.

أقول: وكذلك الملائكة الكرام علم الله تعالى منهم أنه مهما بلغ أحدهم في المحبة فليس يصل لدرجة يُنسيه معها حبُّه لخالقه أوامره بخلاف آدم e فقد سبقهم في هذا المضمار سبقاً لا يدانونه فيه.

وتعريفاً للملائكة بمقام هذا الرسول وإظهاراً لسبب تفوقه عليهم في العلم والمعرفة جعل الله تعالى طريق آدم e إلى تسنُّم مقام الخلافة بشكل تظهر فيه حقيقة هذا الرسول الكريم وما اشتمل عليه قلبه من الحب العالي لخالقه لذلك وبعد أن سجد الملائكة لآدم e وأبى إبليس مستكبراً، أمر الله تعالى هذا الرسول أن يسكن وزوجه الجنة، وحذَّرهما من عداوة الشيطان لهما ومكره، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَقُلنَا يَا آدَمُ اسْكُن أَنتَ وَزوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئتُمَا..}.

وقوله تعالى: {فَقُلنَا يَا آدَمُ إنَّ هَذا عَدُوٌ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى}.

ولا بد لنا لفهم مقام هذا الرسول السامي من أن نبيِّن مفهوم الجنة وما ينطوي تحت هذه الكلمة من المعنى الدقيق فنقول:

ليس المُراد من كلمة (الجنة) قاصراً على ذلك النعيم المادي وليس نعيم الإنسان في الجنة قاصراً على التمتع بذلك المكان الجميل ذي الأشجار الوارفة والأنهار الجارية والفواكه المختلفة والظلال المديدة. فإنَّ هذه الأشياء وما شاكلها من الأشياء المادية لا تجعل من الجنة جنة ما لم يكن الإنسان إلى جانبها في سعادة نفسية وسرور معنوي وإنه لا بدَّ لمن يُقيم في مكان جميل اجتمعت فيه صنوف المسرات من أن يكون مسروراً في داخلية نفسه حتى يشعر بالسعادة ويجد نفسه في جنة.

فقد يُقيم طالبان في مكان جميل لم ترَ العين مثله، وفيما هما جالسان يبلغ الأول نبأ نجاحه في فحصه وصدور قرار تعيينه في وظيفةٍ من الوظائف العالية، وأزف موعد فحص الآخر وتأخرت عليه وسيلة النقل التي تصل به إلى مكان الفحص، تُرى هل يكون حال الثاني كحال الأول؟. لا ريب أنَّ ذلك المكان يكون على الأول جنة لما يُخالط قلبه من السرور الداخلي كما يكون على الثاني جهنماً لما يُساوره من القلق والاضطراب.

وإذاً فالجنة مأخوذة من كلمة (جَنَّ) بمعنى: ستر وأخفى، وهي في حقيقتها ذلك الشعور الداخلي الجميل المستور عن الآخرين يشعر به صاحبه وينعم ولا يطَّلع عليه أحد من الناس. أقول ويُشير إلى هذا المعنى ما جاء في الحديث الشريف قوله e: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قِيلَ وما رياض الجنَّة؟. قال مجالِسُ الذِكر».

وقوله e: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنَّة ومنبري علىحوضي»

فقد عبَّر e عن ذلك المكان الذي بين منبره وقبره الشريف بأنه روضة من رياض الجنة لما يجده المؤمن الجالس في ذلك المكان بسبب ارتباط نفسه بنفس رسول الله وإقبالها بمعيَّته الشريفة على الله من النعيم النفسي والحياة بالقرب من الله، وكذا الأمر في حِلَق الذكر، وكذلك المؤمن في الدار الآخرة تجده في جنة بسبب ما يجده من النعيم النفسي العظيم بقربه من خالقه، وإنه لينتقل في منازل القُرب الإلهي، في جنَّات، فمن حالٍ إلى حال أعلى ومن نعيم إلى نعيم أسمى. وبما أنَّ الكمال الإلهي ليس له حد ولا انتهاء فليس للجنة ولا لنعيم أهلها فيها حد ولا انتهاء. ويرافق ذلك النعيم النفسي نعيم مادي مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من فواكه وثمرات وأنهار جارية من الخيرات ويتزايد هذا السرور المادي بنسبة متوافقة مع تزايد ذلك النعيم المعنوي لحظةً فلحظة وآناً فآناً، وإلى ذلك يُشير قوله تعالى: {..كلَّما رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرةٍ رِزقاً قَالُوا هَذا الذي رُزِقنا مِن قَبلُ وأُتُوا بهِ مُتَشَابِهاً..}

فهو متشابه مع سابقه في شكله مختلف عنه في ازدياد صاحبه تنعماً من حيث مرآه وطعمه، وليس لفضل الله كما ذكرنا حدٌّ ولا انتهاءٌ. ونعود بعد أن قدَّمنا ما قدَّمناه عن الجنة إلى قصة سيدنا آدم e فنقول:

لقد أمر الله تعالى آدم عليه السلام أن يسكن وزوجه الجنة فينعم بالقرب من خالقه ويتمتَّع بشهود الجمال والكمال الإلهي ويستغرق به، وأَمَرَهُ إلى جانب ذلك أن يأكل وزوجه من الجنة رغداً.

ولكن ما هي حقيقة هذا الأكل، وكيف يأكل أهل الجنة في الجنة؟

أقول: لا بدَّ لبيان هذه النقطة من أن نقدِّم كلمة نعرِّف فيها الإنسان بذاته، وعناصره التي يتركَّب منها ويقوم عليها وجوده فنقول:

الإنسان مركَّب من نفس وجسد وروح. فالنفس: هي ذات الإنسان المعنوية الشاعرة والمدركة، فهي التي تسر وتفرح، وهي التي تتكدَّر وتحزن وهي التي تبكي وتتألم، وهي التي تضحك وتتنعَّم، فإذا وقف أحدنا مثلاً فجأةً لأول مرة أمام بحر عظيم تجد قلبه يمتلئ رهبةً وجلالاً، وإذا شاهد جريحاً متألماً تجد قلبه يذوب عليه حسرةً، وإذا سمعنا بنجاحنا في فحص أو أمر هام فإننا نطير فرحاً، والحقيقة أنَّ نفوسنا هي التي ترهب وتجل وهي التي تتألم وتتحسر، وهي التي تفرح وتُسر، وهي التي ترغب وتشغف وتُحب، وإن شئت فقل نفوسنا هي التي تتجه إلى الخالق فتُصلِّي له وتركع وتسجد. وتُسبِّح وتُمجِّد، وتشكر وتحمد، وتتوب إليه وتُعاهده. وما هذه الجوارح والحواس إلاَّ نوافذ تطَّلع منها النفس على العالم الخارجي، أمَّا هي فمستقرة في الصدر وأشعتها سارية في الأعصاب المنتشرة في سائر أنحاء الجسم. فهي تُشاهد الأشياء من نوافذ العينين وتتلقف الأخبار وتسمعها عن طريق الأذنين، كما تتذوق الأشياء وتتعرف إلى طعومها بواسطة اللسان وتلمسها بواسطة الجلد، وهي والحالة هذه حبيسة في هذا الجسد والجسد خادم لها وآلة بين يديها.

أمَّا الروح: فهي ذلك النور الإلهي الذي يسري في الجسم وفي مجاري الدم عظيمها ودقيقها فيبعث في الجسم الحرارة ويؤمِّن فيه الحياة والنماء. فبالروح قوام الجسم وبقاء وجوده، وبها استمرار حياته، فإن هي انسحبت منه خمد الجسم وبطلت فيه الحركة وفُقِدَت منه الحياة. والروح كما نرى شيء والنفس شيء آخر، والروح والجسد معاً خادمان لهذه النفس يُساعدانها على القيام بما تتطلبه من الأعمال.

هذا هو حال الإنسان في دنياه، النفس في قفص الجسد، والروح تبعث في الجسد الحياة، والجسد محيط بالنفس كما يُحيط القفص بالعصفور وكما تُحيط زجاجة المصباح الكهربائي بالشعلة من كل الجهات.

أمَّا حال الإنسان في الجنة فعلى العكس: فنفس الإنسان في الجنة هي المحيطة بالجسد وإن شئت فقل: في الجنة تلبس النفس الجسد وتُحيط به من كل جهاته، فهي ثوبه ونورها محيط به كما يُحيط لهب الشمعة بالفتيل. فإذا كان الفتيل هو الجسم فاللهب والشعلة هي النفس.

ومن هنا يتبيَّن لنا أنَّ حال الإنسان في الجنة مختلف كل الاختلاف عن حاله في هذه الحياة الدنيا التي نحياها الآن وإذا كانت نفس الإنسان في هذه الحياة الدنيوية تتذوَّق الأشياء بواسطة الفم وعن طريق اللسان، وتشاهد من وراء حجاب ولا ترى إلاَّ خيالها وصورها بواسطة العين، وتسمع الأصوات بواسطة الأذن فلا تدرك إلاَّ صدى الصوت، ففي الجنة حالها بعكس ذلك كله. فهي لا تتذوَّق بواسطة اللسان ذلك العضو الصغير، ولا تشاهد بواسطة العين كما لا تسمع بواسطة الأذن.

وبما أنَّها تلبس الجسد يومئذٍ وتُحيط به فهي تتذوَّق بكلِّيتها وكلها ذوق وتشاهد بكلِّيتها وكلها عيون، وكلها سمع وكلها شعور، تذوق وتسمع وتنطق وترى بكلِّيتها بصورة مباشرة دون وساطة عضو من الأعضاء ويكون ذوقها والحالة هذه عظيماً وشهودها واسعاً، ونعيمها تاماً.

وإذا كان الإنسان في حاله الدنيوي يشبع ولا يعود يجد لذة الطعام بعد تناوله كمية محدودة منه، فالإنسان في الجنة لا يشبع ولا يمل من شيء كما لا يجوع ولا يعطش، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {إنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُاْ فِيهَا وَلا تَضْحَى}

ذلك لأنَّ أشعة النفس بذاتها تسري في الجنة إلى الأشياء وتُخالطها كما تسري أشعة الشمس إلى أعماق الماء فتروي ريّاً متواصلاً، كما تمتد إلى الفاكهة والأطعمة، وكلها يومئذٍ ألسنة فتذوق ذوقاً متتالياً، وتنعم نعيماً متزايداً دون أن تشعر بثقل أو ملل أو شبع فنعيمها دوماً في ازدياد لا يُنغِّصها منغِّص. وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {مَثَلُ الجَنَّةِ التي وُعِدَ المُتَقونَ تَجرِي مِن تَحْتِها الأَنهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا..}

هكذا كانت حال سيدنا آدم e في الجنة، وذلك كان أكله مع زوجه. كانت نفساهما محيطة بجسديهما يأكلان من الجنة رغداً وهما إلى جانب ذلك في شهود دائمي لجمال الخالق وكماله، ونعيم متواصل بهذا القُرب من الله.

وقد نهاهما الله تعالى عن أن يقربا الشجرة لما في ذلك من الظلم لأنفسهما. وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {..وَلاَ تَقْرَبَا هَذهِ الشَّجَرةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} .

ولكن ما هذه الشجرة التي نهاهما الله عنها؟. وماذا نفهم من كلمة (وَلاَ تَقْرَبَا)؟. وما هو هذا الظلم الذي ينالهما بسبب ذلك؟

أقول إنَّ كلمة (الشَّجَرةَ) هنا لا تعني شجرة خاصة ذات نوع معيَّن، إنَّما تعني عامة الجنس وتشمل كل شجرة.. فالقمح والتفاح والرمان، وإن شئت فقل جميع الأشجار والنباتات تنطوي تحت كلمة (الشَّجَرةَ)، لأنها في حقيقتها واحدة من حيث احتواؤها على المادة التي يكون بها نماء الجسم وسريان الحياة فيه، وإن كانت مختلفة في أنواعها وطعومها وأشكالها.

أمَّا المراد من النهي عن قرب الشجرة الواردة في كلمة {وَلاَ تَقْرَبَا هَذهِ الشَّجَرةَ}، فيعني عدم وضع ثمرة الشجرة في الفم ودخول مادتها إلى الجوف، وتوضيحاً لهذا المعنى نضرب المثل الآتي فنقول: لا نستطيع أن نقول إنَّ الشمس قريبة من الأرض وإن كانت أشعتها منصبة على الأرض سارية في مياهها وبحارها ملامسة كل جزء من أجزاء سطحها ما دام جرمها بعيداً عنها، كذلك سيدنا آدم e وإن كانت نفسه سارية إلى تلك الثمرات متصلة بها متنعمة بذوقها فهي غير قريبة منها ما دامت مادة الثمار بعيدة عن جسمه ولم تدخل إلى جوفه، وقد نهاه الله تعالى وزوجه أن يقربا الشجرة أي أن يتناول الثمار ويضع مادتها وجرمها في فمه "أي الأكل الجسمي مع النفسي".

وتُشير كلمة {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} إلى أن وضع الثمرة في الفم ودخولها إلى الجوف يكون سبباً في تبدّل الحال الذي كانا عليه في الجنة. فوضعهما بعد دخول الثمرة إلى الجوف يتطلَّب من التعب والعناء وبذل المجهود في سبيل الحصول على الطعام وتأمين الغذاء اللازم للجسم مالا يتطلبه حالهما الذوقي الأول. "النفسي فقط دون مشاركة الجسد".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://dkrory.mam9.com
dkrory
Admin
Admin
dkrory


عدد الرسائل : 862
نقاط : 6436

آدم عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: آدم عليه السلام   آدم عليه السلام Empty27/11/2008, 20:37

وبشيءٍ من التفصيل نقول كان سيدنا آدم e وزوجه يتذوقان في الجنة ذوقاً دون أن يبذلا جهداً في زراعة أو حصد أو أي عمل من الأعمال التي يتطلبها تحضير الأطعمة، فقد كان الحكم للنفس وكانت لها السيطرة على الجسد وما كان الجسد إلاَّ مركزاً لهذه النفس. أمَّا بعد تناول الثمرة ودخول مادتها إلى الجوف فسيتغير بها الحال، ستكون السيطرة للجسم وستصبح النفس ضمن هذا الجسد كما نحن عليه الآن في حالنا الدنيوي ولا ريب أنَّ هذا الحال مختلف كل الاختلاف عن الحال الأول وستكون الحياة متوقفة على تغذية الجسد وتقويته وتزويده بالمادة اللازمة، وسيضعف هذا الجسد وسيجوع ويعطش، وبالتالي ستتألم ساعة احتياج الجسد لهذه المادة.

ولا شك أن هذا يتطلَّب من الإنسان جهداً دائباً وعملاً متواصلاً. وفضلاً عن أن تذوق النفس وتنعمها بالأشياء سيكون من وراء حجاب وبالواسطة، فلا تستطيع أن تتذوق الأشياء إلاَّ عن طريق اللسان وكذلك حالها في الرؤية والسمع والشم، وإلى جانب ذلك كله لا تعود النفس تتنعَّم بالأشياء بمقدار واسع لا حدَّ له فإنَّ الجسم يكتفي بكمية معينة من الطعام والشراب، فإذا تناول أكثر من حاجته تضايق وبالتالي تألَّمت النفس من هذه الزيادة، وعلى هذا فالذوق في هذا الحال محدود والإنسان مرغم على العمل لا يستطيع أن يقعد عنه تأميناً لحاجات الجسد، وفي ذلك ما فيه من التعب وبذل المجهود وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}.

وقوله تعالى: {..فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشقَى} .

لقد عرف سيدنا آدم e ما يتبع الأكل من الشجرة من متاعب الحياة وما يتطلبه العيش بعد الأكل منها من جهد وعناء، وعرف أنَّ الله تعالى إنَّما نهاه عن الأكل منها وقاية له من تلك المتاعب، غير أن حُبّه العظيم لخالقه أنساه وصية الله تعالى وتلك هي المرتبة التي أهَّلت هذا الرسول الكريم لأن يكون خليفة الله في أرضه وأن يسجد له الملائكة الكرام. فقد وسوس له الشيطان أي: خاطبه خطاباً نفسياً فقال: {..يَا آدمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرةِ الْخُلدِ وَ مُلكٍ لا يَبْلَى} .

والمراد بكلمة {شَجَرةِ الْخُلدِ} أي: الشجرة التي إن أكلت منها خلدت في الجنة أي في ذلك النعيم النفسي الذي تجده بالقرب من خالقك. والمراد بكلمة {وَ مُلكٍ لا يَبْلَى}: أي ملكت ذلك الحال النفسي الذي أنت فيه فلم تنقطع عن هذا الشهود للكمال الإلهي وظللت دائم الأنس به.

ولعلك تقول: كيف وسوس الشيطان لآدم e والأنبياء معصومون؟.

فأقول: إذا كان أحدنا اليوم يجتمع بكافر ويتحدث إليه فليس معنى ذلك أنه سيطر على نفسه أو تسلَّط عليها وكذلك الأمر بالنسبة لسيدنا آدم e فلمَّا كانت نفسه محيطة بجسده كانت مقابلة الشيطان له مقابلة نفس لنفس وكان الخطاب بينهما نفسياً، وليس في ذلك أدنى سيطرة أو تسلُّط على سيدنا آدم e، وقد أقسم الشيطان لسيدنا آدم e وزوجه أنه لهما من الناصحين. وإلى ذلك تشير الآية الكريمة: {وَقَاسَمَهُمَا إِني لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}.

وحيث أن آدم e عرف عظمة خالقه وجلاله فما كان يظن أن أحداً يجرؤ على أن يحلف بالله كذباً لذلك أقسم له الشيطان ولزوجه بالله، أكل من الشجرة وأكلت معه زوجه حرصاً على البقاء في ذلك الحال النفسي الجميل من الإقبال على الخالق واستدامة لهذا الشهود للكمال الإلهي، وأنساه حب خالقه وصيَّته.

وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}: أي نسي وصيتنا نسياناً ولم نجد له عزماً على المخالفة، كما تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ..}: إلى كذب الشيطان وتغريره وتحذير الإنسان منه.

فدلاَّهما: أي أدناهما من الثمرة وجعلهما يتناولان مادتها ويضعانها في فمهما. والغرور: هو أن يتوهَّم الشخص بأنه يكسب بفعله خيراً عظيماً أكثر ممَّا هو في يده مع أنَّ الحقيقة خلاف ذلك، وكذلك الشيطان إنَّما {فدَلاَّهُمَا} أي: أدناهما من الثمرة. {بِغُرُورٍ} أي: بإيهامه إياهما بأن الأكل منها يكون سبباً في بقائهما في ذلك الحال من الإقبال العالي على الله بصورةٍ دائمية مع أنَّ الحقيقة تخالف ذلك، إذ أن غايته أن يوقعهما في الخجل والحياء من الله بمخالفة وصيَّته، وبذلك يصل إلى مطلوبه من إبعادهما عن الله ومن هنا يتبيَّن لنا عداوة الشيطان للإنسان كما يتبيَّن لنا حب سيدنا آدم e لربِّه وحرصه على دوام الإقبال عليه.

ولكن ماذا أعقب الأكل من الشجرة؟.

لقد بيَّن لنا ذلك تعالى بقوله: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطَانُ عَنْها فَأخرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ..}

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطَانُ عَنْها}: أي: أزلقهما وحوَّلهما عن الجنة، أي عن النعيم النفسي الجميل فأخرجهما من ذلك الحال الذي كانا فيه، وتُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطَانُ لِيُبديَ لَهُمَا مَا وُوريَ عَنْهُمَا مِن سَوءَاتِهِمَا..} إلى غاية الشيطان من وسوسته فقد كان يُريد بوسوسته لهما أن يسوءهما ويحزنهما بتحويلهما عن الله والإقبال عليه. وبالحقيقة كان الحُزن والكرب بعيداً عن آدم e وزوجه إذ كانا مستغرقين في شهود الجمال والكمال الإلهي، وما دام الإنسان في حضرة الله مغمورة نفسه بتجلِّيه، عاكفاً في شهود جماله تعالى وتجلِّيه فلا يمكن للكرب والحزن أن يتسرَّب إلى نفسه.

غير أنَّهما لمَّا ذاقا الشجرة ودخلت نفساهما إلى داخل جسديهما انتبها إلى ما صدر منهما من مخالفة الوصية الإلهية فتحوَّلت نفساهما عن الله خجلاً واستحياءً وقد استاء آدم e وزوجه كثيراً من هذا الحال وأحاط بهما الكرب والحزن من ذلك، وهذا هو المراد من كلمة (سَوْءَاتُهُمَا): {..فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا..} أي: ظهر لهما ما يسوءهما من الخروج من ذلك الحال النفسي الجميل الذي كانا فيه فأصبحت حياتهما كرباً وأحزاناً بهذا التحول وذلك الحياء والخجل.

وقد جعل آدم e وزوجه يُحاولان أن يعود لهما ذلك الحال الأول الذي كانا فيه، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {..وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجَنَّةِ..}. (وَطَفِقَا) أي: شرعا وأخذا. (يَخْصِفَانِ) أي: يُدنيان منهما، والورق هو: ما ستر الأذى عن الثمر ويكون سبباً في نمائه الجيد ونضارته وحسنه. والمراد بكلمة (وَرَقِ الجَنَّةِ) هنا: ذلك الالتجاء والتذلُّل الذي به يعود لهما ذلك النعيم وتلك الحالة النفسية الجميلة التي كانا فيها، ويكون ما نفهمه من كلمة (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجَنَّةِ) أي: شرعا في الحال وبادرا إلى الالتجاء إلى الله تعالى والتذلُّل الذي يعيد لهما ذلك التجلي الإلهي الذي به نعيم نفوسهما ودوام أنسهما بربهما.

ونتبع الآن شرح الآية السابقة بذكر شرح الآية التالية وهي قوله تعالى: {..وَعَصَى آدَمُ رَبَّه فَغَوَى}

لا نستطيع فهم المراد من كلمة (وَعَصَى آدَمُ رَبَّه) الواردة في هذه الآية إلاَّ إذا نحن قرنَّاها إلى الآيات الأخرى الواردة في هذا الخصوص كآية: {وَلَقَدْ عَهِدنَا إلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ}.. ومن هنا نفهم أنَّ المعصية أي مخالفة الوصية قد تكون في بعض الأحيان عن نسيان الوصية لا عن قصد المخالفة ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}: أي أن مخالفة آدم e لوصية ربِّه كانت عن نسيان الوصية لا عن تصميم وعزم على المخالفة.

أما كلمة (فَغَوَى): فإنما هي بمعنى أخطأ الطريق الموصل إلى الغاية المطلوبة، فآدم e إنما أكل من الشجرة رغبة في استدامة المشاهدة لذلك التجلِّي وطمعاً في الخلود في هذا الحال من الرؤية للكمال الإلهي غير أنَّ أكله من الشجرة لم يوصله إلى مقصده هذا بل كان سبباً في احتجاب نفسه عن ذلك الشهود وتلك الرؤية فما أن دخلت مادة الثمرة إلى جوفه حتى لحقتها النفس كما ذكرنا من قبل وهنالك قُطعت عن ذلك الشهود وغدت مستورة بحجاب الجسد فأصبحت في معزل عن ذلك الحال الأول من مشاهدة الكمال والتجلِّي الإلهي، وهي لا تستطيع العودة إليه إلاَّ بعمل تقدِّمه بين يديها فيكون لها منه سبيل إلى التغلب على هذا الجسد وسبب إلى الخروج من عدم الرؤية إلى ميدان الرؤية والمشاهدة.

وحيث أن آدم e وزوجه أحاط بهما الحياء والخجل من نسيانهما وصية خالقهما فقد لبثت نفساهما محتجبة عن ذلك الشهود وضاقت نفساهما بهذا الحال ضيقاً شديداً وجعلا يلتجئان إلى الله، وذلك مما كنا رأيناه من قبل في قوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجَنَّةِ}

والآن وبعد أن بيَّنا المراد من آية: {..وَعَصَى آدَمُ رَبَّه فَغَوى} نستطيع أن نأخذ منها العبرة التالية، هذه الآية تقول: إن مخالفة الوصية الإلهية إنما تعود على الإنسان دوماً بالكرب والضيق وبخلاف ما يتوقعه، ولك أيها الإنسان فيما وقع لأبيك آدم من قبل عبرة باقية إلى الأبد، فقد أعطاك e درساً خالداً لا تنساه، فما تجرُّ لك مخالفة وصيّة خالقك سوى الندم والحسرة وما توقعك إلاَّ في عكس ما ترجوه.

ونعود الآن إلى تلك النقطة التي كنا بصددها فنقول:

وممّا يؤيد لنا أنَّ أكل آدم e وزوجه من الشجرة كان عن نسيان الوصية وسعياً وراء غاية نبيلة وهي الخلود في شهود الكمال الإلهي ما جاء في الآية الكريمة التالية: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}

وقوله تعالى: {إنَّ اللهَ اصْطفَى آدمَ ونُوحاً وَآلَ إبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلَى العَالمِينَ} .

فالله تعالى لا يمكن أن يجتبي إليه عاصياً آثر الأشياء الدنيئة على رضاء خالقه وإنما يكون الاجتباء والاصطفاء لإنسان كريم الصفة عالي المطلب آثر الكمال وشُغف به.

ولكن كيف وقع هذا الاجتباء والإدناء بعد الأكل من الشجرة؟.

أقول: لقد بيَّن لنا ذلك تعالى بقوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ..}.

فالله تعالى بعلمه بما في نفس آدم e من النية العالية من الأكل من الشجرة ناداه أن: يا آدم قد علمنا نيَّتك من عملك، فما كان أكلك من الشجرة إلاَّ حبّاً بي، لقد أنساك حبُّك العظيم لي وصيتي فلا تخجل ولا تغض حياءً مني، فلك من نيَّتك العالية ما يجعلك تعود إلي في الحال. وما أن سمع آدم e ذلك من ربِّه، وما أن نظر إلى نيَّته العالية حتى عاد متسارعاً إلى ربِّه مقبلاً عليه، فتاب عليه ربه، أي فعاد عليه في الحال بتجلِّيه، {..إِنَّهُ هُوَ التَّوابُ الرَّحِيمُ}. فهو تعالى التواب إذ يسوق للإنسان دوماً ما يجعله يؤوب ويعود لخالقه ليتفضّل عليه بنعمته ويغمره ببرّه ورحمته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://dkrory.mam9.com
dkrory
Admin
Admin
dkrory


عدد الرسائل : 862
نقاط : 6436

آدم عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: آدم عليه السلام   آدم عليه السلام Empty27/11/2008, 20:38

موجز قصة سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام

من هو سيدنا آدم e؟.

سيدنا آدم هو ذلك المخلوق الكريم الذي بدأ الله تعالى به البشر جميعاً فأسكنه وزوجه الأرض وجعله الأب الأول للبشر كافة فكان الناس كلهم أبناء هذا المخلوق الكريم، وهم في الحقيقة إخوة مهما تناءت بهم الديار واختلفت عليهم المواطن والأقطار.

سيدنا آدم e هو ذلك الإنسان العظيم الذي فاق بحبِّه لخالقه الملائكة الكرام فكان بما ظهر منه من صدق مع الله وحبّ لله ومعرفة لكمال الله أهلاً لأن يسجد له الملائكة كلّهم أجمعون فيكون سراجاً منيراً لنفوسهم وإماماً لهم في إقبالهم على خالقهم.

سيدنا آدم e هو ذلك الرسول الذي اختاره الله تعالى بما علم فيه من صدق المحبة وشغف بالكمال لأن يقف من ذريته موقف المعلِّم الأول يُريهم قابلية الإنسان للتفوق والسمو على سائر المخلوقات ويضرب لهم بمحبته لربه المُثل العليا التي تجعل من الإنسان إن هو اقتفى أثرها مخلوقاً كريماً يسمو بكماله الإنساني وحبِّه لخالقه على المخلوقات فيكون أرفعها مكانة وأعلاها عند الله درجة ومنزلةً. ولكن تاه عن المراد الإلهي من قصة هذا الرسول الكريم كثير من الناس ولم يروا ما أشار إليه القرآن في الآيات الكريمة من المعاني السامية فتأوَّلوها بخلاف ما أُنزلت من أجله وبخلاف ما أراد الله. وذلك ممَّا جعلنا نتعرَّض لهذه القصة فنشير إلى النقط الهامة، فإذا استطاع الإنسان أن يدرك كمال هذا الرسول فعندئذٍ تتبيَّن جميع النقاط ويدرك المراد الإلهي من سائر الآيات.

سيدنا آدم e خليفة الله في الأرض:

أخبر الله ملائكته قبل أن يخلق آدم e ويخرجه لهذه الدنيا أنه جاعل في الأرض خليفة، ومقام الخلافة إنَّما هو مقام عظيم يقتضي أن يكون الخليفة قائماً بأعباء أمور ثلاثة:

أن يكون نائباً عن الله تعالى في تبليغ أوامره ورسالاته لخلقه.

أن يكون حاكماً يسهر على تطبيق تلك الأوامر وإحقاق الحق بين رعيته.

أن يكون مهبطاً للتجليات الإلهية، فكل من ارتبطت نفسه به كان له سراجاً منيراً يستطيع بصحبته أن يتوصل إلى رؤية أسماء الله الحُسنى ومشاهدة كماله.

وبما أن مقام الخلافة يعود على صاحبه بالقرب زلفى من خالقه لذلك تمنَّى الملائكة أن يكون لهم شرف هذا المقام العظيم طمعاً بما يعود على صاحبه من الخير فقالوا في أنفسهم وقد كانوا رأوا ما فعله إبليس من الفساد في الأرض: {..أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ..} وما أن خطر لهم ذلك الخاطر حتى وقع في نفوسهم الرد على قولهم فسمعوا قوله تعالى: {..إِنّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} أي إني أعلم من سبق آدم في حبِّه إياي وأهليته لهذا المقام مالا تعلمونه أنتم فيه.

وخلق الله تعالى سيدنا آدم e فكان له من حبِّه لربِّه وإقباله العالي عليه ما جعله يُشاهد جميع أسماء الله تعالى الحُسنى الدّالة على الكمال الإلهي مشاهدة تفوَّق بها على الملائكة جميعاً وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا..}.

وقد أراد تعالى أن يُري الملائكة شرف آدم e في سبقه إيَّاهم في تلك المعرفة فطلب منهم بواسطة آدم e أن يتكلَّموا عن تلك الأسماء الحُسنى ويبيِّنوا ما شاهدوه منها. وإلى ذلك تشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلائِكَةِ فَقَال أنبِئوني بِأسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي: إن كنتم صادقين في أنَّكم أهل لمقام الخلافة، وتكلَّم الملائكة وبيَّنوا عن تلك الأسماء بما يتناسب مع حبِّهم وإقبالهم، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمتَنَا إِنَّكَ أَنتَ العَلِيمُ الحَكيمُ}.

سجود الملائكة لسيدنا آدم e:

وبعد أن بيَّن الملائكة ما بيَّنوه، أمر تعالى سيدنا آدم e أن ينبِّئهم بما يعرفه عن تلك الأسماء الحُسنى بما يظهر به سبقه وتفوُّقه، وذلك ما تُشير إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: {..يَا آدَمُ أَنْبِئهُم بِأسْمَائِهِمْ..} أي: عرِّفهم عمَّا عرفوه هم عن أسمائي.

عندئذٍ تكلَّم سيدنا آدم e عن تلك الأسماء الحُسنى فبيَّن بياناً فاق به الملائكة جميعاً، وذلك ممّا جعلهم يقرّون له بالفضل ويعترفون بأنه إنما سبقهم في حبِّه لربِّه ومعرفته بخالقه سبقاً لا يدانونه فيه فأذعنوا إليه بنفوسهم خاضعين، وأقبلوا بمعيَّته على خالقهم، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا للمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ..} .

لقد سجد الملائكة كلهم أجمعون لهذا الرسول الكريم، وما سجودهم إلاَّ ذلك الخضوع النفسي، وهنالك كان هذا الرسول الكريم إماماً لهم في إقبالهم على خالقهم وسراجاً منيراً لنفوسهم.

المراد الإلهي من ذلك الأمر بالسجود وحقيقة الشفاعة:

وقد أراد الله تعالى أن يرشدنا بهذه القصة إلى شأن الارتباط بالنفوس العالية ليكون لنا من سجود الملائكة الكرام لآدم e مثل أعلى نحذو حذوه وقدوة نقتدي بها. فهؤلاء الملائكة الكرام بما اشتقته نفوسهم من الكمال بوجهتها إلى الله استطاعوا أن يقدِّروا في آدم e سبقه إياهم في المعرفة بالله وتفوّقه عليهم في محبة الله وهنالك لمّا أُمروا بالسجود له سجدوا جميعاً معترفين بفضله مقبلين على الله بمعيَّته.

وكذلك المؤمن بما اشتقته نفسه من الكمال بوجهتها إلى الله إذا هو نظر إلى أهل الكمال قدَّرهم ووقَّرهم وخضع بنفسه لمقامهم العالي الرفيع.

وبهذا الخضوع والتقدير تقبل نفس هذا المؤمن على نفوس أهل الكمال وترتبط بها فينعكس في نفسه الصافية التي هي في صفائها أشبه بالمرآة ذلك النور الإلهي المتوارد على مرآة نفوسهم انعكاساً وبمقدار متناسب مع تقديره إياهم وارتباطه بهم، وحينئذٍ يكونون بهذا النور سراجاً منيراً لنفسه ويكشف له هذا النور طرفاً من الكمال الإلهي.

وبما أنَّ النفوس مفطورة على حبِّ الجمال والكمال لذلك تجد هذا المؤمن يعشق الكمال الإلهي وتشغف نفسه بحُب الله تعالى ويكون هذا التقدير والتوقير وإن شئت فقل هذا الاستشفاع والارتباط بتلك النفوس العالية الكريمة سبباً ووسيلة في الوصول إلى هذه الاستنارة والرؤية للكمال الإلهي وبالتالي إلى هذا العِشق ولعمري تلك الشفاعة هي الشفاعة الحقيقية شفاعة ارتباط نفس بنفس في طريق إقبالها على الله ليسمو القوي بالضعيف وينهض الأعلى بالأدنى ويعرج به في معارج القُدس ومشاهدة الكمال.. كما عرج رسول الله e بنفوس أصحابه الكرام.

الشفاعة طريق التقوى ووسيلتها:

إذا ما توصَّلت النفس المؤمنة بصحبة تلك النفس العالية الكريمة وارتباطها بها إلى شهود الكمال الإلهي وارتقت إلى منزلة الحب والعشق لصاحب الكمال والجمال كان حبها وعشقها سبباً في إقبالها على ربها وبهذا الإقبال على الله تشتق هذه النفس قبساً من نور الله تعالى يُضيء لها طريقها فإذا هي مستنيرة مبصرة قد خرجت من الظلمة إلى النور ترى بهذا النور الإلهي الحق من الباطل والضار من النافع. ترى الخير خيراً فتحبه وتميل إليه وتشكر خالقها على أن أرشدها إليه فتزداد إقبالاً عليه تعالى وترتقي في منازل المعرفة والعلم درجة فدرجة، كما ترى الشرَّ شرّاً فتأنف منه وتعافه وتشكر خالقها على أن حذَّرها منه، وتلك هي حقيقة التقوى فهي اتقاء بذلك النور الإلهي واستنارة به من الوقوع في المهالك، وإلى هذه المنزلة السامية حضَّ تعالى في كتابه الكريم عباده المؤمنين فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَ آمِنُوا بِرَسُولهِ يُؤتِكُمْ كِفْلَينِ مِن رَحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ}.

موقف الشيطان من سيدنا آدم e:

عرفنا موقف الملائكة الكرام من سيدنا آدم e، أمَّا إبليس الذي كان من قبل كافراً بفضل الله ونعمته كما أشار تعالى إلى ذلك في كتابه الكريم ذلك المخلوق الذي لم يكن له إقبال على ربّه فلم تكتسب نفسه شيئاً من الكمال، لمَّا أُمر بالسجود لآدم e أبى واستكبر، وما إباؤه واستكباره إلاَّ لكفره السابق وإعراضه، فإنه لا يعرف الفضل إلاَّ ذووه، ولا يعرف قدر رسل الله إلاَّ المقرَّبون إلى الله، ولا يُقدِّر أهل الكمال إلا من تحلَّت نفسه بحلية الإيمان واصطبغت من خالقها بصبغة الكمال.

سيدنا آدم e في الجنة:

وقد أمر تعالى سيدنا آدم e أن يسكن وزوجه الجنة فيأكلا منها رغداً، وفي الجنة وما فيها من نعيم، وأسمى نعيم فيها ذلك الإقبال على الله والشهود لجمال الخالق الأسنى وكماله الذي لا يتناهى، وقد ملك هذا الشهود على سيدنا آدم e مشاعره فإذا هو سابح مستغرق فيه وقد أمره ربُّه أن لا يقرب الشجرة وحذَّره من عداوة الشيطان ومكره وما يكنّه نحوه من الضغينة، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {فقُلنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدوٌ لَكَ وَلِزَوجِكَ فَلا يُخرِجَنَّكُما مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى، إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأنَّكَ لا تَظْمَؤُاْ فِيهَا وَلا تَضْحَى}.

سيدنا آدم e والأكل من الشجرة:

ظلَّ سيدنا آدم عليه السلام في ذلك الحال النفسي مستغرقاً في شهود الكمال الإلهي يأكل من الثمرات رغداً دون أن يقربها ويجعل مادتها في فمه، بل كانت تسري أشعة نفسه إليها فتتذوقها ذوقاً متواصلاً كما تمتد أشعة الشمس إلى أعماق المياه فتخالطها وتسري فيها دون أن يدنو جرمها منها وقد رأى الشيطان من سيدنا آدم حبّه العالي لربه وإقباله المتواصل عليه فأحزنه ذلك وظنَّ أنه يستطيع أن يحوِّل هذا الرسول الكريم عن ذلك الحال من الشهود والإقبال ولذلك حاول أن يوقعه في مخالفة وصية الله فلعلَّه إذا أكل من الشجرة وآنس من نفسه مخالفة وصية خالقه يخجل منه ويتباعد عنه، ولذلك جاء سيدنا آدم e فقال: {..يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَة الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} أي: أتريد أن أدلَّك على الشجرة التي إذا أكلت منها خلدت نفسك في ذلك الشهود لكمال خالقك وملكت هذا الحال من الإقبال عليه فلم تنقطع عنه أبداً؟

وأقسم الشيطان بالله لسيدنا آدم وزوجه بأنهما إذا أكلا من الشجرة وجعلا مادتها في جوفهما خلدا في ذلك الشهود الجميل والإقبال الرفيع.

هنالك غلب على سيدنا آدم e حبُّه لخالقه وأكل من الشجرة وأكلت زوجه منها وأنساه حبُّ الله وصية الله. وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدنَا إِلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ}: أي نسي وصيتنا نسياناً {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}: أي لم نجد له عزماً على مخالفتنا.

وبهذا الأكل من الشجرة ظهر للملائكة الكرام حبُّ سيدنا آدم e العالي لربِّه وسبقه إيَّاهم في هذا المضمار، وما مثل سيدنا آدم e مع الملائكة في سبقه إيَّاهم في محبة ربِّه إلاَّ كمثل والدة أوصت ولديها الصغيرين ألاَّ يركضا في سيرهما، ومن بعد غياب طويل عادت الأم إليهما فما أن رآها أحدهما حتى غلب حبُّه إيَّاها عليه فأنساه وصيتها وهرع إليها مسرعاً فوقع ساقطاً على الأرض، وأمَّا الآخر فسار إليها سيره المعتاد حسب وصيتها، تُرى أي ولديها أكثر حبّاً لها؟. أليس الذي أنساه حبّه إياها وصيتها هو الأكثر تعلقاً بها والأعظم حبّاً؟

وإذاً فما هذا النهي عن الأكل من الشجرة إلاَّ امتحان واختبار أظهر به تعالى وهو العليم بما انطوت عليه كل نفس، شرف سيدنا آدم عليه السلام وحبَّه لربِّه وبيَّن بذلك للملائكة الكرام أن سبْق آدم e وتفوُّقه عليهم في معرفته بأسماء الله ناشىء عن تفوُّقه عليهم في محبة الله وما هذه القصة إلاَّ كدرس بليغ يرينا به الله تعالى مقام هذا الرسول الكريم وسبب اصطفائه إياه كما يحذرنا به من عداوة الشيطان ومكره، وهو يعرِّفنا أنَّ من كان أكثر لربِّه حبّاً كان أكثر به معرفةً وأكثر علماً: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضرِبُهَا للنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُها إلاَّ العَالِمُونَ}.

نتائج الأكل من الشجرة:

كان سيدنا آدم عليه السلام قبل الأكل من الشجرة في حال نفسي مغاير لهذا الحال الذي نحن عليه الآن لقد كانت نفسه ثوباً ساتراً لجسده تُحيط به من كل ناحية كما يُحيط لهب الشمعة بالفتيل فإذا كان الجسد بمثابة الفتيل فالنفس بمثابة الضياء والشعلة، وهي والحالة هذه كلها عيون وكلها سمع وكلها ألسنة وذوق، ذلك كان حال سيدنا آدم e من قبل وذلك هو حال أهل الجنة في الجنة.

وما أن أكل e من الشجرة ووضع مادتها في فمه وأكلت معه زوجه حتى تبدَّل بهما الحال وهبطا منه إلى حال آخر فدخلت النفس إلى قفص الجسد وصارت ضمنه فعن طريقه أصبحت تسمع وترى وبواسطته غدت تتذوق وتشم وتتكلم. وقد أصبحت في هذا الحال الجديد مضطرة إلى السعي والعمل تأميناً لحاجات الجسد من مسكن وملبس ومطعم ومشرب إلى غير ذلك مما يتطلب جهداً متواصلاً وسعياً لا يفتر. ذلك هو الحال الجديد الذي صار إليه سيدنا آدم e وزوجه وصار إليه بنوه من بعده وهو كما ترى مختلف كل الاختلاف عن حاله الأول الذي أشارت إليه الآية الكريمة التي مرَّت بنا من قبل وهي قوله تعالى: {إنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمؤا فِيهَا وَلا تَضْحَى}.

ولكن أي الحالين هو أجدى للإنسان فائدة وأكثر له نفعاً؟.

أثر العمل في تسامي النفس وقُربها من خالقها:

لا ريب أنَّ الحال الثاني هو أنفع من الأول بكثير، ففيه دخل سيدنا آدم e وزوجه ودخلت ذريتهما من بعدهما في معترك الحياة، حيث العمل وحيث الإيثار والتضحية اللذان يتمايز بهما الناس على بعضهم بعضاً. ومن قواعد النفس الثابتة أنها لا تُقبل بوجهها على أحد إلاَّ إذا كانت لها أعمال عالية تجعلها واثقةً من رضاء من تُريد أن تقبل عليه، وكلَّما كانت ثقتها أكبر وجدت أنَّها أقرب إليه زلفى وأحظى عنده منزلةً.

وهذه الناحية النفسية وأعني بها الثقة التي يولِّدها العمل الصالح في النفس فيجعلها تسير قُدماً وتعرج متسامية إلى خالقها، أقول: هذه الثقة التي هي أساس القرب وسر السعادة هي التي جعلت من هذه الدار الدنيا دار العمل ممراً وطريقاً إلى الدار الآخرة، حيث الجنات والنهر في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر. وإذاً فالعمل وسيلة القُرب من الله وسبيل التمتع بذلك الشهود والنعيم الأبدي في الجنة فكلَّما كان الإنسان أحسن عملاً كان أوفر بالتمتع بذلك الجمال والكمال الإلهي حظّاً، وإنه لن يندم الإنسان ساعة موته على شيءٍ إلاَّ على تفريطه وتقصيره في العمل الصالح وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {حَتَى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ..}.

{وأَنفِقُوا مِنْ مَا رزَقْنَاكُم مِن قَبْلِ أَن يَأْتِي أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصَّالِحينَ}.

وهكذا فهبوط سيدنا آدم إلى هذا الحال وهبوط ذرِّيته من بعده إن هو إلاَّ وسيلة السمو المتزايد والرفعة التي لا حدَّ لها، والله تعالى منذ أن خلق آدم e إنَّما خلقه ليُسكنه الأرض حيث العمل الموصل إلى التمتع بأكبر حد من عطاء الله وفضله، غير أنه تعالى إنَّما جعل ذلك السبيل الذي سلَّكه به محكاً كشف به تعالى معدن هذا الرسول الكريم وأظهر به شرفه العظيم وجعل لنا من ذلك درساً وعبرة {..وما يَتَذَكَّر إلاَّ مَن يُنِيب}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://dkrory.mam9.com
 
آدم عليه السلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ابداع :: شخصيات :: الانبياء والرسل-
انتقل الى: